الأنمي خطر فكري وعقدي وأداة أعلامية والتحذير من أثره على السلوكيات أقل ما يقال، الأمر متجاوز إلى تهديد العقائد والناس بتفاوت عقولها فريسة للأفكار المدسوسة، لم أقول مدسوسة؟ لأن الياباني مطبع بهذه الدسائس نفسه بدون أن يحس مرات.
الكليشات العامة للنتاج القصصي في هذا المجال الإعلامي تغيرت بشكل ملحوظ بعد الألفين، بعد أن كانت الشخصيات والقصص التي تصدر خارج البلاد محترمة للتقاليد أو طفولية وبسيطة صارت مع انتشاره بشكل أوسع أكثر عرضا للشخصية الملحدة وغير السوية وما شابه. وقد لوحظت آثاره على المتلقين بشكل بحثي سابقا وأدناه فديو قد ناقش البحث:
وهنا قد عرجت على بعض الطروحات الشائعة في النمط القصصي:
الجندرية والتحول الجنسي في الأنمي
يغلب اليوم على المشهد تبني النمطيات الغربية الما-بعد حداثية مثل ترويج الخطاب اليساري الغربي الذي يدعو للفردانية وتقبل الانحرافات الشخصية المؤثرة اجتماعيا ولكن بحسب المبدأ المثالي “حر ما لم يضر” وهنا لا اعتبار للأثر الاجتماعي في هذه المضرة ولكن للمباشر فقط، ومن أشكال هذا تجلي نمط الشخصيات الشاذة بتواتر أكثر في الأنمي، وأسوأ وأخبث شكل هو تلبيس الفتيان لبس النساء إذ أنه لا يمرر عادة على أنه انتكاس ولا حتى كوميديا ولكن “اختيار ملابسي” (ليس رغبة في التحول أيضا) وأثره بين المتابعين تفشى حتى أخذ أبعادا في الواقع من انعكاسه على سلوك المتابعين رغم كونهم كمنتجين لم يتجرأوا على طرح ما يشجع عليه مباشرة بشكل فج.
كمثال، لا بد من ذكر شريحة من الأنمي لا تحمل في ظاهرها هذا ولكن اعتياد الرجال متابعتها أثر فيهم بشكل لا يخفى على الناظر بسبب شيوع التحول بين مدمنيه وهو ما يسمى شريحة من الحياة وهناك بحث قد أحدث ضجة بين مجتمعات الشواذ حتى أزالوا المقال بسبب حملاتهم عليه، ربط هذه الظاهرة بهذا النوع من الإنتاج، فقد رأى الباحث الذي لقب نفسه “الساحر الاجتماعي” أن هذا النوع له تأثير في افتعال مشاكل اضطراب الهوية الجنسية عند الشباب تحديدا. في هذا النوع تكون البطلة شابة نشيطة تتصف بصفات إقدامية وأنثوية من نواحي.
“لربما يتحرر شيء من الرين (الميلان) تجاه الخضوع الأنثوي عند الاعتياد على مشاهدة هكذا شخصيات تجمع في داخلها أبهى صفات الأنوثة، وقد يرجع ذلك للاعتياد المسبق لمشاهدة الإباحية، إذ أن العقل يربط بين خضوع النساء في هكذا مواد وبين اللذة”.
هنا إذا أردنا التفصيل، المشاهد يتلقى أمثلة من بنات فيهن ما يلامس الجانب الأنثوي فيه، ثم يبدأ بتقمص بعض تعابيرهن من طريقة كلام وانفعال وتحسس.
“ربما ليس من المعتاد أن يشاهد رجل كارتونا بناتيا، بل قد يجد حرجا، لكن في هذا النوع الموجه للرجال هناك ثقافة ضمنية ومجتمع رجالي كامل مطبع مع مشاهدة هذا، فيختفي جانب الإحراج، لأنه ليس هوسا رجاليا فحسب، بل هو منتج لأجل الرجال وقد يتخلله بعض الجنسنة للشخصيات فيكون هناك تبرير نفسي إضافي لمتابعته” ويكمل ” لكنه منزلق فكلما ظل يتابع عشعشت الفكرة فيه “”أحس أني أريد أن أصبح مثلها.””.1
يعزو الكاتب ذلك إلى أن هناك نفور طبيعي للرجل من سلوكيات الطاعة والخضوع لكنه ما أن يتعود على هذه الأمثلة الأنثوية المثالية يريد تقليد الكمال الذي يبصره.
بالنظر للواقع فتربية النساء من الحدثان فيهم نعومة، إذا غاب الأب، أحيط بالأخوات، أو تكفلت به أمه وحيدة. مثل هذا يستمد المعاني من بيئته فيكبر حساسا لأنهن حساسات، ناعما لأنهن ناعمات، كثير التشاور والنميمة لأنهن يكدن بهذا. يجد نفسه لا يتلائم مع خشونة الذكران وبرودة عالمهم فيفسد ويضطرب. الرابط هنا أن من يعتاد مشاهدة هذا إنما يستقبل تجربة الإحاطة بالإناث وأخذهن مثالا وأخذ المعاني السلوكية منهن “مثل هذه الأنميات تفتقد الشخصيات الذكورية، بل قد لا يكون فيها واحد.” ” كثير ممن يدخل منتديات ريديت وفورتشان قد يجد أحدهم يسأل: هل حولني الأنمي جنسيا؟”.
ولطرق أمثلة مباشرة فقد أنتج مسلسل كامل عن علاقة أب مع ابنه الذي يحب أن يلبس لبس الخادمات البريطاني “maid outfit”، ولمثل هذا أثر واقعي ابتدء كمزحة يلبس فيها الرجل ثوب الخادمات في سياق كوميدي ثم ينتهي به الأمر بين الشذوذ والتحول وهذا شائع في ثقافة التيكتوك وتويتر الأنمية.
في إحدى الأمثلة غير المباشرة مسلسل “Ultimate Otaku Teacher ” يحكي عن أستاذ رائع يحل جميع مشاكل طلابه ويجعل الصف كله يحب المدرسة والتعلم، ثم في منتصف المسلسل وبعد ترسيخ الجو على أنها كوميديا مدرسية ممتعة وبريئة: يعرض لنا مشكلة أحد الطلاب، فتى لديه ميول لملابس البنات ولكنه يخجل فيتم توجيه الطلاب لدعمه معنويا وبتشجيع من الأستاذ يتخذ الخطوة ويبدل الملابس الولادية لبناتية!. ويكمل المسلسل بهذا الزي وبشكل طبيعي موهما المتلقي أن الأمور ستكون بخير إذا اخذ الخطوة وتشجع.
وهذا غيض من فيض من لا يزال يرصد لا بد أنه رأى الأسوأ في السنين الماضية.
العقائد ومشكلة القدر في الأنمي
هناك شريحة تسمى ب” سينين” غالبا للجمهور الأكبر عمرا والصراع مع القدر من أبرز ما يظهر فيها بل إن أعمال مثل برزرك كانت في أول إنتاج لها في التسعينات تبدأ الحلقات بعرض إشكالية قدر، يقول المقدم:”في هذا العالم هل حقا أن الإنسان قدره محدد بقانون أو يد عليا للإله؟ الأكيد الذي نعرفه أن الانسان ليس له قدرة على فعله حتى”.
جبر صريح وهذا الإشكال لا تجد جوابا له في الوعظ المعاصر فتجد من يقع في هكذا شكوك تارة تقريرا في تبريره لذنوبه وتارة جحدا في اتهامه الدين والتلبس بشبهة القدر. دعنا نستطرد قليلا في الجانب الشرعي:
الإرادة عند أهل الحديث قسمان:
- كونية
- أمرية
والكونية في قوله تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)2 وهي لا تستلزم المحبة، مثل حدوث المصائب.
والأمرية قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).3
وقد كان قدر الله أن ينزل أدم من الجنة وخروجه هذا بلاء على بنيه وليس بكسبهم ولكنه مصيبة وليس ذنبا يستغفرون منه وأما آدم فعليه ذنب ولهذا استغفر منه والله قد قدر كليهما. أما الاحتجاج بالقدر في المعاصي فـ “قد أُخرِجَ آدمُ من الجنة وأُهبِطَ إلى الأرض، ولو كان تقدير الذنب عليه حجةً لهُ عند ربِّه لما أخرجه وأهبطه. ولو كان مجبورًا عليه لما وجب عليه حتى الاستغفار عنه، بل ولم يكن مُلامًا مُستحقًّا للذمِّ أو العقاب في فعله”.4
وهذا بين أن الانسان فعله مخلوق “عن حذيفة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يصنع كل صانع وصنعته» وتلا بعضهم عند ذلك: {والله خلقكم وما تعملون}”.5 وان الله قدر عليه الاختبار وقد سبق علم الله بما يكون لكن العبد فاعل مختار فاستحق الذنب بفعله. إذن فالعبد مختار وإن كان كله قد قدر ووقع تحت المشيئة.
وما لا يعرفه الكثير من محبين هذه السلسلة أن أحد الفصول المرسومة في المانغا التي أزيلت من الأعداد الرسمية، أن هناك لقاءً للخصم الرئيسي للبطل غريفيث مع الإله، وكان هناك تصريح بفكرة كارل يونغ عن العقل الجمعي وقد ساق المؤلف أن الإله هو العقل الجمعي أو بتعبيره “الشر الكامن في قلب كل إنسان” فتأمل.
أما جانب الدين بشكل أعم اذكر أني كنت من سنين ألعب لعبة فاينل فانتسي وأحسست أن القصة بشكل ما تتحول من مغامرة أو ثورة إلى أن تساق لصراع مع الإله نفسه! هكذا ولا تدري ما الداعي لمثل هذه الالتفاتة في الحبكة. بل حتى في نسخة قديمة تجد تمويها عن القصة النصرانية من الدين، جيش العدو فيه قائد مدعي نبوة يبدو بوضوح أنه يراد به النسخة النصرانية من عيسى عليه السلام. ولم يكن إحساسي خارج محله فقد قام يوتيوبر شهير صاحب قناة game theory بصنع فيديو من سنين بعنوان: لماذا فاينل فانتسي معادية للدين؟
السلمية والأدلجة الليبرالية
هل هو بسبب خسارة اليابان في الحرب أم السياق الثقافي؟.
الترويج لفكرة السلمية تجاه العدو لا تكاد تنفك عن الأعمال المشهور، ناروتو يعفو عن كل خصومه رغم أنهم قتلوا ودمروا. في فيت/ستاي نايت يصرخ شيرو: “لن أنزل إلى مستوى من يقتل ويذبح أبدا مهما رأيت من المآسي” فهو يعلن سلمية تامة رغم الصراع، نعم سيغلبهم، لكنه لن يقتلهم، حتى أنه من طرائف الحبكة تأتيه نفسه من المستقبل لتخبره أنه سينحط ويقتل أكثر مما يحيي اضطرارا. فيقتل شيرو رسول المستقبل (نفسه) ليؤكد له أنه لن ينثن!. سخيف صحيح؟ لنرجع للتاريخ قليلا ولتفهم سبب مثل هذا التفكير وجبت هذه المقدمة:
تقول يوان كاي عن تعلق اليابانين بالسلمية: “الجيل المتعب من الحرب والفقر بعد الحرب الباردة اعتنق السلمية يأسا”ولكن بعد الحرب فقط، تخبرنا يوان كاي عن سبب هذه السلمية:
“لم يكن اعتناقا دينيا أو أدلجة تنويرية، نزعة اليابانيين تجاه السلمية كانت طائفية مفتعلة “طائفة هيروشيما والجثث السوداء” كما أُطلق عليها. لقد مجد اليابانيون عقدة الضحية حتى وصلت الكتب المنشورة لـ500 كتاب عن حادثة القنبلة بحلول السبعينات”
لكن هل هذا سبب مباشر؟ فنحن نتعامل مع جيل جديد لم يدرك الحرب ولم ير أنقاضها، تقول:
“بعد الصعود الاقتصادي المعجز وارتفاع معيار المعيشة ظهر جيل جاهل بتاريخ اليابان المؤلم لا يملك عقدة الضحية ويستمد معاني عن العالم من الحقبة المزدهرة التي نشأ فيها”.
وهذا بالنسبة لهم مشكل، ويعني انحدار وعي الياباني تجاه السلمية إذ لم يعد لعقدة الضحية أثر على من لم يعاين مهاول الحرب. فماذا فعلوا؟ في البداية
“كان هنا قوتان، تراثيون يريدون إرجاع التعليم القديم ذو الاتجاه القومي، واتحاد معلمين تقدمي عارض هذا بشدة”.
يمين… يسار… يمكننا أن نحزر أن الاتحاد التقدمي اليساري للمعلمين انتصر هذه المعركة إذا نظرنا بداية الأمر:
في وثيقة ما بعد استسلام اليابان عبرت الولايات المتحدة صراحة عن رغبتها في انتزاع الروح الوطنية من الياباني وإن التعليم السائر في البلاد هو السبب الرئيسي في جعلها أمة عدوانية، لذا وجبت لبرلتهم وجعلهم سلميين.”
“لقد أقيل المدرسون اليمينيون قسرا، انتزعت الأخلاقيات اليابانية التقليدية من المقررات، وقد فعل كل ما يمكن لتحويل الياباني إلى سلمي ليبرالي.” “هناك 400 ألف مدرس يساري في الاتحاد يحمل رسالة السلام”. “في عام 1949 أصدرت وزارة التعليم ما بيانه: ألمانيا واليابان مسؤولان عن مآسي الحرب العالمية الثانية وعن ما أدت إليه من دمار وفوضى في العالم.”
جلد الذات في أبهى حلله!. هذه النقابة اليسارية لم تكتف بما أصدرته الوزارة بل كانوا مخولين بالتعليم خارج المقررات لأجل ترسيخ فكرة السلمية:
“لقد أصدرت الحكومة قرارا بتحديد المقررات وتمريرها على لجنة ومنع زيادة العدد عن المسموح به” لكن “حدث اضراب من المعلمين المنتسبين للهيئة حتى اضرب نصف مليون واحد مما أجبر الحكومة على سحب القرار”.6
نستنتج من هذا أن هناك قوى ليبرالية خلف الرسائل هذه فالشعب الياباني وإن كان بعيدا عن إدراك صدمة الحرب الباردة فقد تمت أدلجته بشكل شمولي وهائل ليتبنى عقيدة الاستسلام، بل إنها كانت فعالة لدرجة أن من حركها المعلمون أنفسهم رغما عن الحكومة. والرسائل الإعلامية في الأنمي هي أيدلوجية سلمية مصدرة مما يعني تصدير الاستسلام! الكثير مما يستقبل أحدنا خلفه تاريخ قد لا يعيه وما ذكرت من أمثلة على بساطته ليس الوحيد بل هناك قائمة من الأنميات تعاملت مع ترسيخ ذهنية السلمية هذه بشكل أعمق.
الدعاية الهوليودية في الأنمي
يغفل عن الكثير أن الأنمي أيضا يتبنى الدعاية الأمريكية عن المسلمين وعن الجماعات الجهادية ومنها أنهم يحتمون بالمدنيين وأن الذين يحاربونهم يتحرون عكس ذلك وهذه نمطية دعائية مشهورة ولكنها ليست حصرية على الأمريكان والإنتاج الواقعي فبعض الأنميات صورت ذلك ولكنها غير مشهورة فتركت إرفاق المثال، لكن الأمر لا يقتصر على هذا فقط في الأسابيع الماضية قد ظهر أنمي يستهزئ بشكل صلاة المسلمين وأخذ الأمر ترندا في موقع تويتر. وهذا لأنوه على أنهم غير بريئين من هذا ويحتاج رصدا.
أمراض القلوب
إن من عاين ما ذكرت لا يخفى عليه أن هذا مرض مقولب في سياق ترفيه، ليس مرضا يطرحك السرير، لكنه ينكت في القلب ولو بعد حين وقلوب الناس فارغة مما يشغلها ومن استقبل رسائلهم لم يمكنه الانفكاك بسهولة، وله أن يتمثل قول الشاعر:
والكف علاج الإدمان، خشية أن يمرض القلب بما اجترعوه أنفسهم من سم فكري ولفظوه لك في شكل ترفيه، “ومتى كان القلب مريضا لم يصح شيء من الأعضاء صحة مطلقة” والصلاح:
“أن لا تشبه مريض القلب في شيء من أموره، وإن خفي عليك مرض ذلك العضو لكن يكفيك أن فساد الأصل لا بد أن يؤثر في الفرع، ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله”7
وإنما شخصت واكتفيت بذلك ومن رأى ما رأيت عرف ما عنيت والله الموفق.
- Masculinity, anime, and gender dysphoria, Social Justice Wizard, 2019 ↩︎
- التكوير:29 ↩︎
- النحل:90 ↩︎
- احمد عبدالحليم بن تيمية، الاحتجاج بالقدر، صفحة 29 ↩︎
- خلق أفعال العباد، محمد بن إسماعيل البخاري، صفحة 46 ↩︎
- 2009 ,The Rise and Decline of Japanese, Pacifism Yuan Cai ↩︎
- احمد عبدالحليم بن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة اصحاب الجحيم، جزء 1، صفحة 99 ↩︎
اترك تعليقاً