تصيب بعض الناس حالة من النشوة بالقيم الكانطية، العفو المطلق، حسن الظن المطلق بالمؤمنين لكن لاحظ هذه صفة أصلا غير قطعية على الأعيان بحكم وجوب الاستثناء في الإيمان حتى عند الحديث عن النفس، فتقول “مؤمن إن شاء الله” أو أرجو لكن يتم اطلاق هذه الأخلاقيات هكذا دون اعتبار هذا أو توضيحه.
يقول كانط:
“الكذب تجاه قاتلِ سألنا: هل الصديق الذي يلاحق اختبأ في منزلنا؟، هو جريمة.”
فيأتون بأفكار أخلاقية يطلقونها إلى أقصى نتائجها مع اختزال للدين على أنه منظومة أخلاقية من ضرورات الدين أن تكون على إطلاقها لأنه دين “أخلاقي”!
ومعلوم أن الإنسان لو صدق في كل شيء لأهلك نفسه وغيره ولو أنه عفى على كل أحد لعلة إيمانه العام لاستبيح حرمه ولكن هذه البلادة لا تخلو من دواعي تراثية لها سواء كان هذا من المتصوفة أو في بعض الآثار من أن فلانا دل السلطان على ناس لأجل الصدق فنجاهم الله لمحض صدقه،
لكنك لا تجد هذا الفهم عاما عند السلف ويبين ذلك قول الفضيل بن عياض في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
“إنما تأمر من يقبل منك، أرأيت إن لقيت سلطانا أكنت تقول له: اتق الله؟ لو قلت هذا لأهلكت أهل بيتك ونفسك وجيرانك، ولكن احفظ نفسك، وأخف مكانك”
وإن كان أفضل الجهاد “كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ” فهذا في اجتهاد عالم يعرف متى يكون قوله أنفع ولا يراق دمه هدرا أفضل وقد قال ابن القيم: رياء العلماء خير من إخلاص الجهال.
وحتى في حال إحسان الظن فتجد إياس بن معاوية يقول:
“ما فقه رجل قط، إلا ساء ظنّه بالناس”!
والمسحة الأخلاقية المعاصرة تتسبب في تعزيز هذا الفهم فهو عصر التحفيز والمطلقات الاخلاقية بامتياز كم مرة سمعت من يقول “لا تبرر تصرفاتك لأحد”؟
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبرر!
لما جاءت صفية رضى الله تعالى عنها تزوره ﷺ، وهو معتكف قام معها ليوصلها إلى بيتها فرآهما رجلان من الأنصار فقال:
«عَلَى رِسْلِكُمَا إِنّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍ. فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: إِنّ الشّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ. إنى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فى قُلُوبِكُمَا شَرًا»
فتجده ﷺ يعتبر نزغ الشيطان بين الناس ودواعي الظن من “الذين أمنوا” ويعاجل بالتوضيح واقتلاع موجبات الشك وهذا يخالف المأخذ المطلق للأخلاقيات باعتبار الشيطان والطبيعة البشرية التي توجب حصول مثل ذلك حتى مع ثبوت الصفة العامة من الإيمان.
اترك تعليقاً