تتعدد الأصول التي ترجع المؤلفة لها أسباب هذا التلاعب بالرجل في هذا الكتاب فهي تطورية وتؤمن بنظرية الصفحة البيضاء تقول: “مفهوم الأنوثة في الأساس إجتماعي لا بيولوجي.”1 مما يوحي بأصول ليبرالية مع كونها متأثرة بالفلسفة المثالية في تقييم الصواب والخطأ فنجدها تعيد تفسير كثير مما تشير إليه لهذا أو ذاك مما يضعف مرتكز حجتها دون أن يمس حقيقة وجود الظاهرة. ورغم كثرة المشارب فالكتاب من حيث يكشف التلاعب ويشير للحبائك والخدع ما يزال صحيحا بغض النظر عن منطلق القارئ نفسه.
التلاعب بالرجل
التلاعب مؤامرة منذ الولادة تطبق على جنس الرجال من أمهاتهم ومن المجتمع النسائي المحيط، ورغم ان النسويات الإسلاميات يستخدمن نظرية اللوح الفارغ لإنكار حتمية الفرق البايلوجي لنفي أصل نقص الأنوثة فالمؤلفة تجادل أن النساء أصلا تفتعل هذا النقص هروبا من المسؤولية، وهكذا ترجع النقص المفتعل لخبث لا لضعف. المرأة على قولها تمارس الخديعة باستمرار لتسيير الأمور لصالحها من تربية ابنها ليعمل لامرأة آخرى بداية (وقد يكون ذلك لها إذا شملنا الأمهات اللاتي يحلن بين زيجات أولادهن ونجاحها)، إلى توجيهه ليعمل العمل المدر للربح المادي العائد على راحتهن، يتم تشجيع السلوكيات التي تصب في هذا وتثبيط ما يشغل عنها.
النساء تعرف مطلب الرجل الوحيد وهو الجنس فتنظيمه والمطالبة بالباهظ والمغالاة به من أشكال التلاعب، بل حتى نقاشات مثل مسألة الاغتصاب الزوجي هي نقاشات لتوسيع استثمارية الأمر يجدر أن أضيف.
وكذا مسالة الاديان كون المؤلفة ملحدة تطورية ساقت أن النساء تقوم بتشجيع السلوك الديني الداعم لحقوقها لا السلوك الجمعي الذي يجعل ولاء الرجل للنص أعلى من ولائه لها، فالرجال يحبون العبودية ومن يملأ هذا الفراغ غير النساء؟. فلهذا يسعى جاهدا لتقييد نفسه تحت هذا الكائن الاستغلالي ويحرص على كونه واحدا. فمعاني الوفاء وحسن العشرة إذا تمعنت، تقدرها العاصية والمطيعة ولكن تقديم الله على غيره من حيث تبعاته على السلوك أمر غير مرغوب ويوصف بالغلو. تستدل المؤلفة بموضوع الشرك والتوحيد، كيف؟.
موضوع الزوجة الواحدة
فالرجل يقع فيه لسبب واحد وهو أن تعدد النساء يشوش عبوديته ويكثر الألهة!. ولكنها تؤكد: النساء لا ترى إلا النساء. هن لا يمانعن التعدد بذاته المهم هو رأي النساء فيه وبما أنه كذلك فزوجة ثانية تشارك الموارد خطر فعلي والنساء الاخريات تعيبه كي لا يصل التأثير لهن، فكذلك ارتياد الرجال للبغايا متقبل بالمثل. لم؟ لان البغايا تهديد مالي أقل. تسأل: كم مرة رأيتم امرأة تسامح خيانة زوجها؟ كثير. فالمسألة ليست في الخيانة بل في أثرها على المصالح.
نظرة المؤلفة للرجل
أما الرجل رغم حاجته المذلة للعبودية وعطشه للجنس فهو كائن اسمى عند المؤلفة. لم؟ تجادل المؤلفة أن أصل تطوره ليس فرضا جينيا إنما بسبب طبيعة المجتمع فكلما كيفت النساء الرجال ليقوموا بما لا يردن فعله أنفسهن كلما تفوق الرجال عليهن وهذا سيضل مستمرا، تتراخى عقول النساء كلما كيفن الرجال ليصبحوا العمال المثاليين لهن.
لمرأة لا تصدق في تعبها، إنها تستمع بمهام المنزل، الموضوع بسيط بل مثير لها (مناسب لمستواها العقلي)، لكن يجب دائما التضخيم من حجمه حتى يظن الرجال أنها تعوضهم أكثر مما دفعوا، يتم تضخيم آلامها كالحمل وغيره حتى تستمر بإظهار المن وحتى لا يكتشف الرجل أن الأمر أسهل مما يمر به، ترسخ ذلك وتطالب بترسيخه. ولعل المؤلفة نسيت أشهر سطر في كل فلم لممثل من فئة “المحترمين مهنيا” : “أنا أعلم ما تمر به النساء من صعوبات لا نقدرها نحن الرجال، فالحمل ثالث أشد ألم بعد الكلية والحرق”.! نعم لا أمزح هذا يتكرر كثيرا. الألة الإعلامية بحسب وصفها معدة لجعل الرجل يعبد المرأة، أغاني الحب كذلك يكفي أن تكتب في محرك البحث “كلمات أغاني عشق”. لنرى:
سأغير التقويم لو أحببتني أمحو فصولاً
أغنية عشوائية
أو أضيف فصولا وسينتهي العصر القديم على يدي
وأقيم عاصمة النساء بديلًا.
لم أنقب عنها كثيرا ولا يخفى كم من أشكال العبادة تبذل لصورة الحبيبة في هكذا أغاني مما هو شرك ألوهية. الثقافة المعاصرة فعلا حولت الرجل لعبادة النساء ولم تغفا المؤلفة عن أن هذا مطلوب أصلا للنظام الرأس-مالي فسعي الرجل لمنفعة النساء هو تمويل لقدرتها الشرائية فلا يشترط أن يكون فعلا مقصودا لذاته منهن دائما. لكنها حلقة مفرغة بحسب وصفها، فالرجل ليقنع زوجة جاره بشراء سجادة عليها أن تقنع زوجها بذلك وزوجها عليه أن يقنع زوجة ذاك بشراء ما يبيع وهكذا.
نعم فالدافع هنا كما وصفت متعة المرأة لكنها تعيد الأمر من جهة المرأة فقط للاستغلال كأصل.
الدين الحقيقي قد يقيد أستغلال المرأة ويودي بها للتخلي عن فرص أستغلال بسس حدوده لكن المؤلفة تعترض: “إذا اختارت المرأة أن تؤمن بالله فسيكون هذا لسبب واحد: أنها تريد الذهاب للجنة.”2 فعندها مجرد طلب اللذة وبشكل آخر المادة مذمة وهذا سيتبين سببه عند الحديث عن الجانب الذي تمدحه في الرجال.
الأصول الفلسفية المثالية
اللذة مطلوبة لذاتها سواء كان الطالب رجلا أم إمرأة والأصل الذي أرجعته هو مصلحة ذاتها وهذا تابع لطلب اللذة وليس عيبا في ذاته إلا أن هناك ما يجعلها تظن أنه عيب فالرجال عندها لا تنحصر عقولهم في مسألة طلب اللذة بل طلب الشيء لذاته وهذا تجره على رغبتهم وفضولهم المستمر وشجاعتهم وأن ما يقيدهم في العمل المغاير لهذا هو الوقوع في فخ طلب رضا النساء، وهذا الفخ حيقيقي، لكن المغامرة والفضول وغير ذلك طلب لذة أيضا فجعلت هناك فاصلا واضحا في المنطلقات، ثنائية قديمة جدا: أصل ذهني/ مادي.
تكثر الثناء على الرجال وتجعل أوضح فاصل عندهم قدرة عقل الرجل على التجريد فالنساء على حسب تعبيرها: “لا تفكر بشكل تجريدي فان مشاكل الوجود لا تمسها”3 وهذا مقياس افلاطوني/ارسطي ثم هي على ذمها لمسألة الدين أشارت إلى عجز النساء على عكس الرجال التحلي بمشاعر نقية، بمعنى مشاعر لا يكون دافعها المقايضة، علم لذاته، سعي لذاته، حب لذاته وهكذا، وهذه فكرة دخلت المسيحية أصلا من خلال الفلسفات المثالية.
فإن أقرت المؤلفة أن الرجل أصلا يطلب لسبب ويقايض لأجل الجنس فهذا كافي لإثبات أن المشاعر النقية ممتنعة، دافع الاكتشاف يعود إلى التوسع والأنتشار ومنه إلى نشر النوع أصلا ولا يمنع ذلك أن تبقى نقطتها صحيحة في كون المقايضة غير عادلة وأن أساليب الاستغلال فعلا محاكة بكل خبث.
تطرد هذه الأصول بين روادها كثيرا لنلاحظ نفس الأنماط في التفكير: الذهن أسمى، المادة أدنى، الذهن خير، المادة شر. فمن هنا يرجع كل شيء لهذا هل فعله لمصلحة بقائية؟ خسيس. هل فعله لمصلحة مجردة؟ نبيل.
وبالمثل الجنس (الدافع لبقاء النوع) ميلان للجانب الخسيس وليس أصلا والأصل التحرر من الوجود أو الإفلات من هذا العالم المنحط (تعبر عن هذا باستكشاف المريخ والفضاء مثلا). إذا تعين هذا كانت المذمة شاملة للاثنين.
الحب عند المؤلفة موضوع ينقض فكرة المشاعر النقية فهو وسيلة تخدير، يخدع به الرجل إلى فترة معينة ليعفي الجنس المستَغِل من العمل وإن زال لاحقا، لكن حقيقة زواله بغض النظر تنقض نقاءه أليس كذلك؟. ثم ما دافعه لدى الرجل غير حفظ النوع وطلب اللذة أولا؟ لا ينقض هذا غير مسألة تطهر العقل عن الجزئيات بالتجريد مما يجعل حصول حب نقي عنده ممكن لكن هل هذا مشهود؟
الخلاصة
الحقيقة أن الكتاب ضعيف من ناحية الأصول النقدية جدا ومضطرب حتى نظرية اللوح الفارغ بنفسها خاطئة ووضعها مماحك يترتب عليها أن الأنوثة والذكورة غير حتميات مما يؤيد مسألة تبديل الأدوار ولكن الحقيقة أن الفارق بايلوجي بما لا يقبل الشك (وعلى هذا يثبت أن النقص في الأنوثة أصيل).
قد بالغت المؤلفة أيضا في تعظيم حجم المؤامرة لكن النقد القاسي الذي فيه قد أدى مفعوله ولا أظنه أقنع أمرأة لكن نفعه كامن في تحذير الرجل من أستعباد نفسه.
لا شك أن الفقه الإسلامي المعاصر صدق عليه أنه تم تسيسه لما يصب في مصالح الجنس الألهة فهذه ضرورة اقتصادية أولا، ولكن الحق في عين الأمر وما وجد في الشريعة من حدود وروادع للنزعات الفطرية التي غرضها البقاء في كلا الجنسين، يكفي ويفي لقمع استفحاله، وهذا لن يحصل طبعا إلا بسلطة أقوى من سلطتهم. التسيس مستمر إلى إشعار آخر.
اترك تعليقاً